التربية الإيمانية للطفل
إن من أهم موضوعات التربية من حيث المضمون هي التربية الإيمانية للطفل؛ لأنها تقوم على تأسيس العادات الحسنة وتكوينها، وترسيخ العقيدة الصحيحة في أعماق الفكر والقلب وتعزيزها، والتوجيه إلى الأخاق الفاضلة وتفعيلها في جميع تصرفاته، في هذه المرحلة العمرية يبني الطفل رؤيته للعالم، ومن خلالها يبني سلوكه وأخلاقه وتعاملاته، وبحسب تحققها في واقعه تكون سعادته في الدنيا، ومقدار فوزه في الآخرة، وحيث إن هذه هي مهمة الآباء والأمهات، فقد نوه القرآن بذلك، حيث يقول الله تعالى:(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) (النساء 11) بل نص النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك صراحة حيث يقول: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ » (البخاري 9) ، فدل الحديث على عدة أمور، منها:
- أن الإيمان فطرة في الإنسان، وأن من يَعْدِلُ عنه إنما يعدل لآفة من آفات البشر.
- بيّن الحديث مسؤولية الوالدين ودورهما الكبير في التربية.
- أشار إلى أثر البيئة في التربية.
ومن فضل الله سبحانه على الإنسان أن شرح قلبه في أول نشوئه للإيمان من غير حاجة إلى حجة وبرهان، وعليه؛ فإن على الآباء أن يقوموا بواجب هذه الوقاية أحسن قيام، وعليهم أن يزكوا هذه الفطرة، وأن يربوا أولادهم على الدين الصحيح المبني على نصوص القرآن والسنة، وعليهم ألا يتكلوا على التربية البيئية التي تستمد مفاهيمها من المحيط، فإسام التقليد لا يحمي من الانحراف في عصر الانفتاح وتقارب العالم، ولا يقي من ذوبان الهوية ولا ضعف الشخصية.
إن قلب الطفل الطاهر جوهرة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش، فإن عود الخير وعلم إياه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكلُّ معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه والوالي له؛ لأن أقوم التقويم ما كان في الصغر، فأما إذا تُرِكَ الولد وطبعه ومشى عليه ومُرِّن كان رده صعبًا.
فالطفل الذي ينشأ في أسرة قوية الإيمان ملتزمة بالتعاليم الإسامية الصحيحة يقلد والديه في كل شيء، ويُكوِّن مفاهيمه الخاصة من خال منظور والديه، فنجد هناك من يقدم المفاهيم الشرعية بطريقة حازمة صارمة تؤدي إلى نتيجة عكسية على الأطفال، كما أن الطفل عندما ينشأ ويجد والديه غير ملتزمين بالتعاليم الشرعية؛ فإنه من الصعب أن ينجذب مستقبَلً إلى الدين؛ لأنه في صغره لم يرَ أثرا للدين، فا تتكون لديه أي اتجاهات دينية.
النمو الديني عند الأطفال
إن الدين يبدأ عند الطفل فكرة واحدة -وهي فكرة وجود الله-، ثم لا يلبث أن تظهر إلى جانبها أفكار أخرى -كفكرة الخلق والآخرة والملائكة والشياطين-، وتتميز مظاهر النمو الديني في الطفولة بأربع خصائص:
- الواقعية: حيث يضفي الطفل على مفاهيمه الدينية واقعًا محسوسًا، وكلما نما تدرَّج في تجريده، وأدرك الحقيقة، ووضعها في نصابها في مرحلة المراهقة.
- الشكلية (الصورية): حيث يقلد الصغير الكبار في عبادتهم وأدعيتهم شكلً من غير أن يدرك معناها أو يشعر بسموِّها الروحي، وجدير بالمربي أن يستفيد من ميل الصغار في هذه المرحلة ليعودهم أركان الإسام وأخلاقه، وأركان الإيمان وآثاره.
- النفعية: حيث يدرك الصغير سرور والديه ومعلمه ومن حوله، لأدائه بعض العبادات، فيفعل هذا كسبًا لحبهم، ووسيلة لتحقيق بعض منافعه، أو لدفع عقوبة تلحق به.
- التعصب:حيث يتعصب الطفل لدينه تعصبًا وجدانيًّا بدافع حاجته الغريزية الفطرية إلى الانتماء والولاء، وأرفع صور الانتماء الولاية لله – عز وجل.
ومما سبق؛ ندرك أهمية التركيز على التربية الإيمانية، وأنه يجب على الوالدين والمربين أن يسعوا بجد لتقريب الإيمان للناشئة – خصوصًا في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن والصوارف والملهيات وتنوعت أساليبها-، ومن أهم الأمور التي ينبغي على الوالدين العمل عليها ما يلي: أولً: إذكاء الفطرة في نفس الطفل، والتي تتمثل في تعليم الطفل كلمة التوحيد، ثانيًا: تدعيم الإيمان بأركان الإيمان الستة، والتي تقوم على ترسيخ حب الله -عز وجل- وحب رسوله -صلى الله عليه وسلم- وتعليم القرآن.
فوجود الفطرة الدينية الكامنة في النفوس مما يعين الوالدين على مهمتهم التربوية، فالفطرة تشير إلى غريزة التدين، وهذه الغريزة كباقي الغرائز الأخرى لا تقبل التبديل والتغيير وإنما تقبل التوجيه والتطوير، ويمكن أن تستخدم هذه الفطرة في وجهات مختلفة غير الوجهة التي خلقت من أجلها، بينما الإسام يدعو إلى توجيه الفطرة إلى الوجهة التي خلقت من أجلها.
الستة، وأهمها الإيمان بالله؛ فالإيمان بالله ومحبته هو الذي يثمر بعد حصوله بقية أركان الإيمان، وقد جعل الله محبته من آكد الضوابط للإيمان به والخضوع له سبحانه، بمعنى أن محبته لازمة لطاعته والعداء لأعدائه، وأوجب أن تكون هذه المحبة فوق كل محبوب في الدنيا، فقال – عز وجل : (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة: 24) بل نص النبي -صلى الله عليه وسلم- على وجعل أول صفات العباد الذين يرضى عنهم أنهم يحبونه؛ فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة: 54)، وبيَّن أن التوحيد الخالص لا يكون إلا بإفراد الله تعالى بالمحبة المطلقة؛ فقال: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) (البقرة 165)،والعبادة التي خلقنا الله تعالى لأجلها هي أعلى مراتب الحب، فأصل التوحيد وروحه إخاص المحبة لله وحده، وهي أصل التأله، بل هي حقيقة العبادة، ولا يتم التوحيد حتى تكمل محبة العبد لربه وتسبق جميع المحاب وتغلبها، ويكون لها الحكم عليها، بحيث تكون سائر محاب العبد تبعا لهذه المحبة التي بها سعادة العبد وفلاحه.
وهذه المحبة المبنية على الإيمان من أعظم وسائل تقويم سلوك الأولاد وتثبيتهم على دين الإسام وعلى طاعة الله تعالى وطاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، فمن غُرست في قلبه محبة الله ورسوله كان مستقيما في عقيدته وعبادته وأخلاقه، ومهما انحرف في بعض المسائل والجزئيات ومهما غفل أو نسي؛ فإن المحبة التي في باطنه لا بد أن ترجعه إلى طريق الاستقامة بإذن الله تعالى؛ لأن للمحبة دوافعَ داخلية، وليست خارجية فقط.
إن الرؤية التي تقدمها العقيدة الإسامية للوجود تمتاز بموافقتها لفطرة الإنسان وطبيعته، وباتساقها مع العقل السليم وعدم التناقض معه، كما أنها تمتاز بمزايا لا توجد في عقيدة أخرى، حيث تكاملت فيها الأنظمة الفكرية والعقدية والقيمية والتشريعية، فمن حيث كونها نظامًا فكريًّا وعقائديًّا فهي بذلك تضع تفسيرا شاملا لمبدأ الكون ومصيره والحقائق الموجودة داخله وما وراءه، وتوضح -أَيْضًا- تفسيرا لمبدأ حياة الإنسان ومنتهاه، ثم يحدد الغاية التي خلق الكون من أجلها، والغاية التي خلق الإنسان من أجل تحقيقها، وبذلك تجيب عن تساؤلات الإنسان الوجودية التي لا بد أن يسأل عنها بسبب طبيعته العقلية، حيث لا يمكن أن يرتاح الإنسان في هذه الحياة ما لم يجد إجابات كافية شافية عن هذه الأسئلة ويطمئن إليها، وإلا عاش في حيرة دائمة وقلق مستمر؛ لأنه لم يجد معنى لهذه الحياة.
ثمار التربية الإيمانية
هناك جملة من الثمار التي يجنيها المتربي تربية إيمانية، ومن هذه الثمار:
- المبادرة والمسارعة في فعل الخيرات؛ فهو يبحث عن أي باب يقربه من رضا الله ورحمته.
- تقوية الوازع الداخلي؛ فالإيمان الحي هو الذي يضبط سلوك الإنسان.
- الزهد في الدنيا؛ فا يتعلق قلبه بها بحيث تكون هي محور اهتمامه ومنطلق تعاملاته.
- التأييد الإلهي؛ حيث يتولى الله – عز وجل – أمور عبده المؤمن بما يُحقق له مصلحته الحقيقية ويجلب له السعادة في الدارين.
- الرغبة في الله؛ فكلما ازداد الإيمان، ازدادت ثقة العبد بالله سبحانه ورغبته فيه وانصرافه عن خلقه.
- اختفاء الظواهر السلبية وقلة المشكلات بين الأفراد؛ فكلما ازداد الإيمان في القلوب انحسر تأثير الهوى عليها وقويت الإرادةودفعت صاحبها لمكارم الأخاق ومعاليها.
- التأثير الإيجابي في الناس؛ فالمؤمن القوي يسعى لإصاح نفسه وإصاح من حوله.
- الشعور بالسكينة والطمأنينة؛ فكلما تمكنت هذه الثقة الإيمانية في قلب العبد تبددت منه المخاوف التي ترهب الناس.
محاور التربية الإيمانية
إن الواجب على الآباء أن يعلموا أولادهم ما يرسخ إيمانهم، ويقوم سلوكهم وأخلاقهم، ويعزز شعورهم بالانتماء إلى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وفي مقدمة ما يندرج تحت هذا المعنى:
- تعليم أركان الإيمان الستة، والإيمان المجمل بشمولية الشريعة ومناسبتها للفطرة والطبيعة الإنسانية، مع مراعاة الابتعاد عن التلقين الصوري الذي يفقد روح الإيمان، والحرص على أن يكون ذلك بطريقة عملية توقظ القلوب، وتحرك العقول، وتهذب السلوك.
- تربية الأولاد على محبة النبي – صلى الله عليه وسلم – ومحبة آله وأزواجه وأصحابه أجمعين دون غلو فيهم ولا إجحاف.
- تربية الأولاد على تعظيم الدين وشعائره، ومظاهره وتحذيرهم من ازدرائها واحتقارها وعدم المبالاة بها.
- تعليمهم أن الإيمان الواجب لا يكمل إلا بالأعمال الصالحة وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فالتربية الإيمانية الصحيحة ضرورية حتى تؤتي ثمارها في الخُلق والسلوك والعبادة.
- ترسيخ الإيمان باليوم الآخر في نفوسهم وتعظيمه، وربط الجزاء فيه بالأعمال التي يكسبها العبد في الدنيا، فمن كان محسنا فله الجنة ومن كان مسيئا فله النار.
- التأكيد على رقابة الله تعالى للعباد، وأنه يراهم ويسمعهم، ولا يغيب عنه شيء من أحوالهم.
- تعميق الشعور لديه أنه على الحق، وهذا يدعوه لأخذ دينه بالعزة والقوة.
الأساليب التربوية لغرس الإيمان
يمكن تقسيم هذه الأساليب إلى مسارين، فالأول قبل سن التمييز، والثاني بعده.
ومن الأمور التي تساعد على ترسيخ الإيمان قبل سن التمييز:
- التعليق على الأسماء المعبدة التي يسمعها في محيطه -كعبدالله وعبد الرحمن وعبد الكريم-، ومحاولة توضيح معانيها بإجمال، والاهتمام بسماعه لأذان، وتعليمه الأذكار اليومية والأدعية والمحافظة عليها وذكرها في حضوره، وتذكيره بنعم الله تعالى عليه، -خاصة عند الطعام-؛ لتكرره، وتعليمه التسمية في أوله، وحمد الله في آخره.
- تحفيظه بعض سور القرآن، مع تفهيمه بأن هذا كلام الله تعالى، وأول ما يعلم من ذلك الفاتحة والإخاص والمعوذتان، كذلك يمكن تحفيظه بعض القصائد والأناشيد التي فيها ما يراد تعليمه للطفل من معاني الإيمان الصحيح.
- يُراعى أن يذكر اسم الله للطفل من خال مواقف محببة وسارة، ويجب ألا يقرن ذكره تعالى بالقسوة والتعذيب في سن الطفولة، فا يكثر من الحديث عن غضب الله وعذابه وناره.
- توجيه الطفل إلى الجمال في الخلق والقوة والتماسك؛ ليشعر بمدى عظمة الخالق وقدرته، ويحب الله تعالى؛ لأنه يحبه ويسخر له الكائنات.
- تدريب الطفل على آداب السلوك، وتعويده الرحمة والتعاون وآداب الحديث والاستماع، وغرس المُثُل الإسامية عن طريق القدوة الحسنة، الأمر الذي يجعله يعيش في جو تَسُودُهُ الفضيلة، فيقتبس ممن حوله كل خير.
وأما بعد سن التمييز؛ فيضاف إلى هذه الأساليب أساليب أخرى فيها تأمل وتفكير، ومنها:
- تعليم الطفل مقدار عِظَمِ هذا الكون ودقة صنعه وإحكامه وإتقانه؛ وذلك ليعظِّم الإله سبحانه ويجلَّه، قال تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (النمل: 88)
- التذكير بِحِكم الله تعالى في أفعاله ومخلوقاته؛ وذلك ليحبَّ الله تعالى ويحمدَه، كالحكمة من خلق الليل والنهار، ومن خلق الشمس والقمر، ومن خلق الحواس: السمع والبصر واللسان وغير ذلك، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ۗ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) (الروم: 8)
- الاستفادة من الفرص السانحة لتوجيه الطفل من خال الأحداث الجارية بطريقة حكيمة تحببه في الخير وتنفره من الشر، فمثا: إذا مرض نعلِّق قلبه بالله، نعلمه الدعاء، نعلمه حسن الظن، والرقية، وإذا قدمنا له الفاكهة أو الحلوى التي يريدها نطلب منه شكر هذه النعمة ونخبره أنها من الله، ولْيَبتعد الوالدان عن تعليمه المفاهيم الإيمانية أثناء الأحداث المؤلمة بالنسبة للطفل، فهو لا يملك القدرة والوعي الكامل للتمييز.
- لا بد من الممارسة العملية لتعويد الأطفال العادات الإسامية التي نسعى إليها، لذا يجدر بالمربي أن يرسم بسلوكه نموذجًا صالحًا للاقتداء به، إن الربط بين الدين والقيم الأخلاقية من خال السلوك والتعامل يجعل تربيتنا تربية صادقة وخالية من مجرد التنظير.
- الاستفادة من القصص الهادفة لتزويد الأطفال بما هو مرغوب فيه والبعد عما سواه، وينبغي عرض القصة بطريقة تمثيلية مؤثرة، مع إبراز الاتجاهات والقيم التي تتضمنها القصة، وعن طريق الأناشيد -أَيْضًا- ؛ يمكن غرس المثل العليا، والأخاق الكريمة، ويمكن تعريف الطفل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من خال عرض سيرته؛ ليحبه ويطيعه خاصة ما يتعلق بطفولته -صلى الله عليه وسلم-، وأيضا مواقفه مع الأطفال ولطفه معهم، ووصف هيئته، وذكر مواقفه الأخلاقية الراقية، وكذلك قصص الصحابة وأمهات المؤمنين وآل بيته رضوان الله عليهم أجمعين.
- الاعتدال في التربية الدينية للأطفال، وعدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به، فا ننسى أن اللهو والمرح هما عالم الطفل الأصيل، فا نرهقه بما يعاكس نموه الطبيعي والنفسي، بأن نثقل عليه التَّبِعات، ونكثر من الكوابح التي تحرمه من حاجات الطفولة الأساسية؛ لأن المغالاة في ذلك وكثرة النقد تؤدي إلى السلبية والإحساس بالذنب، وعادة ما يكون هذا مع الطفل الأول؛ حيث يتحمس بعض الآباء ليجعل من ابنه نموذجا كاما.
- ينبغي أن يترك الطفل على سجيته دون التدخل المستمر من قبل الكبار، على أن تُهَيَّأَ له الأنشطة التي تتيح له الاستكشاف بنفسه حسب قدراته وإدراكه للبيئة المحيطة به، وفي ذلك تنميةٌ لحب الاستطلاع عنده ونهوضٌ بملكاته.
- إن تشجيع الطفل يؤثر في نفسه تأثيرًا طيبا، ويحثه على بذل قصارى جهده لعمل التصرف المرغوب فيه، وكلما كان ضبط سلوك الطفل وتوجيهه قائمًا على أساس الحب والثواب؛ أدى ذلك إلى اكتساب السلوك السوي بطريقة أفضل، ولا بد من مساعدة الطفل في تعلم حقه، فيعرف ما له وما عليه، وما يصح عمله وما لا يصح، مع إشعار الطفل بكرامته ومكانته، مقرونًا بحسن الضبط والبعد عن التدليل.
- غرس احترام القرآن الكريم وتوقيره في قلب الطفل؛ ليشعر بقدسيته والالتزام بأوامره، بأسلوب سهل جذاب، فيعرف الطفل أنه إذا أتقن التاوة نال درجة الملائكة الأبرار، ويعود الحرص على الالتزام بأدب التاوة -من الاستعاذة والبسملة واحترام المصحف مع حسن الاستماع-، ونعود الطفل سماع آيات من القرآن؛ لأن هذا يزيد من قدراته اللغوية ويشجعه على القراءة، ويمكن تعليمه بعض تفسير الآيات التي تحتوي على معانٍ عقدية من السور التي يحفظها- مثل: الفاتحة، والإخاص، والفلق، والناس، وأن نكثر من عرض قصص القرآن الكريم بشكل مبسط ومفهوم وبشكل متكرر وبطرق عرض مختلفة.
- يمكن استثمار طريقة السؤال والجواب، ونحرص أن يحتوي السؤال على المعلومات التي نريد توصيلها، وتكون الإجابة في كلمات مختصرة جدا، وبما يتناسب مع سنه ومستوى إدراكه، ولهذا أثر كبير في إكساب الطفل القيم والأخاق الحميدة وتغيير سلوكه نحو الأفضل.
- يمكن استثمار التعليم عن طريق متعة التلوين، بحيث تحتوي الصورة المراد تلوينها على معانٍ إيمانية تتنوع في كل مرة، ويمكن تعليمه عن طريق المسابقات ومجالها واسع ومتنوع، ويفضل أن تكون مسابقات حركية؛ لأن الطفل يحبها ويتفاعل معها.
- نشرح للطفل بعض الأحاديث العقدية، أو أجزاء منها، بما يناسب مستوى تفكيره بطريقة مبسطة محببة وعبارة مختصرة يستوعبها عقله، ويمكن تعليمه -أَيْضًا- عن طريق تكرار عبارات تنمي الإيمان؛ لترسخ لديه ثم يستخدمها تلقائيا، مثل: «قدر الله وما شاء فعل « ،» توكل على الله « ،» الله على كل شيء قدير »، ويمكن – بمساعدة من الوالدين أو المربي – أن يقوم الطفل بتزيين فصله وغرفة نومه بعبارات وجمل إيمانية -مثل: «أنا مسلم « ،» أنا أحب ربي « ،» أركان الإيمان »-، فهذه وسائل تعليمية تطبع في ذهنه مع كثرة مشاهدتها.
- أن نعلم الطفل أنّ الباء لا ينفك عنه أحدٌ؛ فكل الناس في هذه الدنيا يبتليهم الله ببعض المصائب والمحن، وأن نعلمه أنّ الله تعالى لا يُقدِّر شيئًا إلا لحكمةٍ بالغة، وأن نرسخ فيه أن جالبَ النفع ودافع الضر هو الله، وأن رحمتَه سبقت غضبَه، وأن نشرح له أنَّ الفرجَ يأتي دائما بعد الكربِ، فهذه سنَّةٌ ماضيةٌ، وأن نعظم فيه حسن الظن بالله؛ فإن هذه عبادة بذاتها، فنقرر فيه أن اختيار الله خيرٌ من اختياراتنا لأنفسنا، وليس على الإنسان إلا أن يتجمّل بالصبر، وأن يبذل الأسباب الشرعية في التعامل مع هذه المصائب، وأن يتحلَّى بالرضا، ويحتسب الأجر، وأخيرًا: نعلمه التمسك بالدعاء؛ فهو التجارة الرابحة للعبد دائمًا.
الوسائل التربوية
من أهم الوسائل التربوية التي تعين على غرس الإيمان في نفس الطفل ما يلي:
- القدوة الحسنة؛: تعد القدوة من أهم وأعظم الأساليب تأثيرا وأعمقها أثرا على نفس الطفل، وقد نبه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهمية القدوة في حياة الطفل، ففي حديث عبد الله بن عامر -رضي الله عنه- «دعتني أمي يوما ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندنا، فقالت: يا عبد الله تعال حتى أعطيك، فقال -صلى الله عليه وسلم: «ما أردتِ أن تعطيه؟ »، قالت: أردت أن أعطيه تمرا، فقال: «أما إنك لو لم تعطه شيئا كُتِبَتْ عليك كذبة » (أبو داوود 1994). وفي رواية أخرى: «من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة » (أحمد 4269) فالقدوة أسلوب فعال، وفي الحديث تنبيه على أهمية الصدق مع الصغار تحديدا.
- الموعظة الصادقة؛ والموعظة يمكن أن تلقى بأكثر من صورة، فإما أن تلقى بالأسلوب المباشر المعهود، أو عبر ضرب المثل، أو تلقى في ثنايا قصة، أو بأسلوب الحوار، أو نحو ذلك، وعلينا أن نتخول الطفل بالموعظة حتى لا يمل.
- الترغيب والترهيب؛ وقد يعبر عن هذين الأسلوبين بالثواب والعقاب، ويعد هذا الأسلوب من أبرز الأساليب العاطفية، حيث يلامس بشكل مباشر فطرة الإنسان التي فطره الله عليها، وهي حب النافع وجلبه، وبغض الضار ودفعه، ويجب أن يكون ذلك بالعدل والحق دون إفراط أو تفريط، والطفل ذو نفس مرهفة شفافة، فا ينبغي تخويفه ولا ترويعه؛ لأن النفس قد تتأثر عكسيا، ولْيُغَلِّبْ هنا جانب الترغيب، فالطفل في هذه المرحلة من عمره أحوج إلى الترغيب منه إلى الترهيب.
- التدريب والتعويد والممارسة؛ فتعويد الطفل على الحرص على مرضاة الله تعالى، وعلى خشيته والحياء منه، وعلى الاعتماد عليه في كل حين، وعلى أن الأمر كله بيد الله؛ كل ذلك يورثه قوة وصلابة يصمد بها أمام كل محنة ويورثه رضا ويقينا يطمئن به قلبه وتسعد به نفسه.
- الإعادة والتكرار؛ فهما أسلوب أكد العلم الحديث والتجارب جدواه في التعليم وفي تثبيت العلم في نفس الإنسان.
- الحوار والمناقشة؛; فالحوار مع الطفل يوسع مداركه ويفتح له آفاق المعرفة، ولكن لا بد فيه من احترام رأي الطفل وذاته، وحسن الاستماع إليه ومحاورته بهدوء؛ ليحقق الحوارُ تواصا ناجحا وفعالا مع الطفل، يمكن من خلاله تربية الطفل وتوجيهه.
- الكتاب؛ ولذا فمن الأهمية بمكان وجود مكتبة مهيَّئَة بشكل يناسب احتياجات الطفل العلمية والثقافية والإيمانية، ومن الجيد: أن تكون منوعة -ما بين سمعية وبصرية ورقمية-، ومن المهم: أن تحتوي هذه المكتبة على مجموعة قصصية؛ لأن القصة وسيلة تربوية نافذة ومهمة، وفي سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته -رضوان الله عليهم- من القصص الهادفة الشيء الكثير.
- التقنية الحديثة والوسائل التعليمية؛ فهي أدوات تسهم في بث الأفكار، وفي تثبيتها وتقريبها للطفل؛ حتى يتمكن من فهمها وإدراك معانيها، حيث تعرض هذه الأفكار والمبادئ بطريقة لافتة وألوان جذابة تشد الطفل إليها وتجعله في حالة نفسية مناسبة للتقبل.
- الدوافع الفطرية؛ هناك دوافع متعددة عند الطفل يمكن استثمارها، ومنها: اللعب والتعاون والتقليد ونحوها، فمن خال اللعب؛ يستطيع الطفل اكتشاف العالم من حوله، والتعبير عن تصوراته ومدى إدراكه، ويمكن استثمار ذلك لتوضيح المعاني الصحيحة حول الحياة والكون، ولغرس القيم في نفس الطفل، وذلك بأسلوب بسيط ومناسب، فالملاحظة واستثمار المواقف والأحداث إذا استثمرت بشكل جيد للتنبيه والتوجيه، فإنها تترك أثرا قويا في نفس الطفل.
- الدعاء؛ فالدعاء دليل افتقار العبد لربه وحاجته إليه ورجائه لفضله وقد حث الله عباده على الدعاء ووعدهم بالإجابة، فقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر: 60)، والدعاء من أعظم وسائل المربي للوصول إلى غايته التربوية، وهي وسيلة استخدمها أعظم المربين، وهم أنبياء الله -عليهم الصاة والسام- لأجل الثبات على الإيمان والتوحيد، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ) (ابراهيم 35) فالدعاء للطفل من أهمّ مظاهر الإحسان في تربيته.
- التمثيل والتقليد؛ وهو بطبعه يحب التقليد، فيعطى فرصة – مثاً- ليقوم بدور إمام المسجد فيصلي ويقرأ، أو الخطيب فيقوم ويتحدث، أو المعلم فيشرح ويعلم، وهكذا، فهذا مما يرسخ عنده المعاني، ويحفظ لهذه المقامات قيمتها لديه.
خصائص المربي
- الرحمة والرفق؛ فالتربية لا تؤتي ثمارها الطيبة ما لم تقترن بخلق الرفق حتى تمتلك القلوب بالرحمة، فها هو الأقرع بن حابس يشاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقبل الحسن والحسين فيقول: إن لي من الولد عشرة ما قبلت أحدا منهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «من لا يَرحم لا يُرحم » (البخاري 7995) ويقول -عليه الصلاة والسلام: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء » (أبو داود 1494)
- الحلم والعفو؛ وقد بلغ سيدنا -صلى الله عليه وسلم- قمة هذا الخلق، ومن ذلك: ما رواه أنس بن مالك، قال: كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أثرت به حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء (البخاري 9085 ) ومن الأمور المرتبطة بالحلم -أَيْضًا : العفو، قال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) (الأعراف 199) وحتى يتحقق الحلم؛ حث الرسول -صلى الله عليه وسلم- على عدم الغضب ونهى عنه، ففي الحديث الصحيح: أن رجا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: «لا تغضب »، فردد مرارا، قال له: «لا تغضب » (البخاري 6116)
- الصبر؛ ويجب أن يتحلى المربي بالصبر وعدم الاستعجال أثناء تربيته أو تعليمه لأبنائه، ولا يستعجل المربي ظهور النتائج وتحقيق المراد، فيتسرب إلى نفسه اليأس والشعور بالفشل، والمربي إذا كان با صبر؛ فهو كالمسافر با زاد.
- العدل؛ لأنه إذا ميز بين فرد وفرد دون سبب واضح؛ قلَّ التفاعل وفُقد الانسجام من المتربين، وما كان الظلم في شيء إلا شانه.
- الأمانة؛ يجب على المربي أن يكون صادقا وأمينا في تعامله مع المتربي، فالأمانة من صفات الرسل المبلغين، وهي مطلب رئيسيٌّ في تجويد العمل وإتقانه وبلوغ غايته ونجاحه.
- التقوى؛ لأن من يتقي الله؛ يوفقه من حيث لا يحتسب، فالتقوى قرين التوفيق والفاح والصاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
- الإخاص؛ لأن العمل ما لم يكن لله فإنه مردود على صاحبه، وليس له من عمله إلا الشقاء والتعب.
- العلم؛ لأن العالم يكون بصيرا بالحال والمآل، بخاف الجاهل الذي يضيع الحاضر ويسيء العاقبة.
- الحكمة؛ حين يضع المربي كل شيء في موضعه الذي وضع له، فإن الأمور تؤتي أكلها، وتنتج التربية ثمارها، فمهمة المربي أن يتسلل إلى داخل النفس ويستثمرها في توجيه الطفل وتربيته.
- الإيمان بالعمل التربوي؛ إن التربية عطاء نفسي وروحي، والذي لا يؤمن بالعملية التربوية لا يستطيع أن يقدم هذا النوع من العطاء.
- التطوير؛ حيث يهتم المربي بتطوير إمكاناته وقدراته ليصل إلى المستوى الذي يمكنه من أداء دوره التربوي.