أركان التربية الإيمانية
الركن الأول:
الإيمان بالله
دلت الفطرة والعقل والشرع على وجود الله، فكل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه، وأما العقل؛ فلأن هذه المخلوقات لا بد لها من موجد، وأما الشرع؛ فكل الأديان السماوية تقرر وجود الخالق، والإيمان بالله يتضمن أربعة أمور، أولها: وجود الله، وثانيها: الإيمان بربوبيته، وأنه الرب المعطي الخالق الرازق والمدبر، وثالثها: الإيمان بألوهيته وتوحيده وأنه لا شريك له، ورابعها: الإيمان بأسمائه وصفاته المحققة للكمال والجمال، فنعلم الطفل هذه الأمور الأربعة فيتربى على معرفة الله وتعظيمه ومحبته، وهذا الركن هو أساس بقية الأركان.
لماذا نعلمهم حب الله تعالى؟!
- لأن الله جَّل شأنه هو الذي أوجدنا من عَدَم، وسوَّى خَلقنا وفضَّلنا على كثير ممَّن خلق تفضيا، ومَنّ علينا بأفضل نعمة -وهي الإسام-، ثم رزقنا بالكثير من فضله دون أن نستحق ذلك، ثم هو ذا يَعِدُنا بالجنة؛ جزاءً لأفعال هي من عطائه وفضله، فهو المتفضل أولً وآخرا.
- لأن الحب يتولد عنه الاحترام والهيبة في السر والعلن، وما أحوجنا إلى أن يحترم أطفالنا ربهم ويهابونه بدلً من أن تكون علاقتهم به قائمة على الخوف من عقابه أو من جهنم فقط، فتكون عبادتهم له متعة روحية يعيشون بها وتحفظهم من الزلل.
- لأن الله تعالى هو الحي القيوم الدائم الباقي الذي لا يموت، والذي لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم، فهو معهم أينما كانوا، وهو الذي يحفظهم ويرعاهم أكثر من والديهم، إذن؛ فتعلقهم به وحبهم له يُعَدّ ضرورة، حتى يعرفوا أن لهم سندًا قويًّا هو الله – سبحانه وتعالى -.
- لأنهم إذا أحبوا الله – عز وجل – أحبوا القرآن، وحرصوا على الصاة، وإذا علموا أن الله جميل يحب الجمال؛ فعلوا كل ما هو جميل، وإذا علموا أن الله يحب التوابين والمتطهرين، والمحسنين، والمتصدقين، والصابرين، والمتوكلين، والمتقين؛ اجتهدوا ليتصفوا بكل هذه الصفات، ابتغاء مرضاته، وحبه، والفوز بولايته لهم، ودفاعه عنهم، وإذا علموا أن الله لا يحب الخائنين، ولا الكافرين، ولا المتكبرين، ولا المعتدين، ولا الظالمين، ولا المفسدين؛ ابتعدوا قدر استطاعتهم عن كل هذه الصفات حبًّا في الله ورغبة في إرضائه.
- لأن حب الله يعني استشعار وجوده – عز وجل – معنا، مما يترتب عليه الشعور بالراحة والاطمئنان والثبات، وعدم القلق أو الحزن، ومن ثَمَّ سامة النفس والجسد من الأمراض النفسية والعضوية، بل والأهم من ذلك: السامة من المعاصي والآثام.
كيف نعلم أولادنا محبة الله تعالى:
- يُعد المدخل الوحيد لغرس القضايا الإيمانية عند الطفل هو المدخل الحسي، أي: إننا نعتمد على الحواس في تقوية إيمان الطفل بخالقه، فنستثمر مظاهر الطبيعة من حوله -مثل: الشمس، المطر، الرياح-، ومن خلالها نعلم الطفل بأن هناك خالق يدبر هذا الكون ونحثه على أن يسأل ويستفسر، ونجتهد في وضع منظار إيماني في أعين الأطفال بحيث يستطيعون رؤية أدلة وجود الله في كل شيء يحللونه ويدرسونه في الآفاق العلمية، فنحرص على إبراز قدرة الله المعجزة وإبداعه الرائع، ومن ذلك التوجيه الرباني إلى النظر في مبدأ خلق الإنسان، قال سبحانه: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ) (الطارق: 5)، وقال سبحانه: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (الذاريات: 21) وكذلك النظر إلى طعام الإنسان وكيف أوجده سبحانه وبين مراحله، قال تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ) (عبس 24) وكذلك إبراز قدرته سبحانه عن طريق النظر في مخلوقاته الدالة على عظمته، كما في قوله تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴿١٧﴾ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ﴿١٨﴾ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ﴿١٩﴾ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴿٢٠﴾) (الغاشية: 20 ) ويمكن تقريب هذه المعاني الكبار وما فيها من روعة الخلق وعظمة الخالق وإبداعه في أذهان الأطفال بأعمارهم المختلفة بما استجد من وسائل توضيحية بليغة ومتنوعة، وعن طريق التقنيات الحديثة، والطفل بفطرته سيحِبُّ كل من صنع له هذه الأشياء العظيمة وسخرها له.
- تعليم الطفل أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته الدالة على كماله وجماله، فالله تعالى هو الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، هو العفوّ الذي يعفو عن الزلات، والغفور الذي جمع إلى العفو الستر، والكريم الذي يعطي من غير طلب وبا سبب، وهو الهادي الذي يرشد عباده إلى جميع المنافع، وهو الودود الذي يُحَب ويُحِب، فهذه المعرفة تعين على محبة الله لا محالة.
- يجب أن نبتعد عن قول: إذا لم تسمع كلامي وتطيعه فسوف يعاقبك الله؛ فهناك فرق بين تعليم الطفل أن الله يعاقب من عصاه وبين ربط عقوبة الله بطاعتي دائمًا وتهديده بذلك، إن هذا مما يمنع طفلك من التفكير بشكل أعمق في قدرة الله وعظمته، ولا ينبغي الاعتماد في تربية الطفل على تهديده بالله، بل يجب أن نعلمه حب الله وتعظيمه وتوقيره، فا ننسب لله كل ما يؤثر على نظرة الطفل لله سبحانه.
- عندما يشاهد الطفل الأبوين يقيمان الصاة وغيرها من الفرائض، أو يعرضان عن شيء من المحرمات؛ فإنه كثيرا ما يسأل عن سبب ذلك، فا بد أن يتضمن جوابهما ذكر محبة الله تعالى وطاعته، فيكون ذلك من التربية بالقدوة على محبة الله تعالى؛ لأن الطفل يقتدي بوالديه، ومن الأمور التي تغرس المحبة في قلوب الأطفال -أَيْضًا: تحديثهم عن الجنة وما أعد الله سبحانه فيها لعباده المتقين من النعيم المقيم.
- إذا بلغ الطفل سنا يفقه فيها معنى الواجبات؛ فإنَّه يُعَلَّم وجوب هذه المحبة؛ لأن الله جلَّ شأنه هو الذي خلقنا وسوَّى خَلقنا ورزقنا وفضَّلنا على كثير من مخلوقاته الأخرى، ومَنّ علينا بالإسام، ونُعَلِّمُ الطفل أن كل النعم التي حوله هي من الله، ونُعَلِّمُه: كيف يحمد الله عليها ويشكره ويسأله المزيد؟ وهذه المطالعة للنعم محفزة للمحبة.
- تعليمه الوسائل المعينة على استجلاب محبة الله ومحبة رسوله – صلى الله عليه وسلم – من الأقوال والأفعال والأحوال.
الركن الثاني:
الإيمان بالملائكة
إن الإيمان بالملائكة يتضمن: التصديق بوجودهم، والإيمان بما علمنا اسمه منهم، وما صح من الأخبار عنهم ومحبتهم، وإن من أهم المعاني التربوية التي ينبغي غرسها في نفس الطفل تجاه الملائكة ما يلي:
- تعليمه أنها مخلوقات خلقت من نور، فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم » (مسلم 6992) ويكتفى بالوصف العام دون الدخول في تفاصيل هذا الخلق وطبيعته.
- تعليمه أسماء من ورد اسمه منهم، كجبريل وهو أمين الملائكة ورئيسهم وهو الذي نزل بالقرآن، وميكائيل وهو الموكل بالقطر، وإسرافيل وهو الموكل بالنفخ، وأن هناك حملة العرش، وهناك الكتبة، وهناك الحفظة، وغيرهم.
- بيان أن أعدادهم كثيرة جدًّا، وأنه لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه، وهم خلق مجبولون على الطاعة وتنفيذ الأوامر، وأن كل ملَكٍ موكَّلٌ بمهمة ينفذها ويلتزم بها.
- أنهم معصومون؛ فهم يعبدون الله عبادة مستمرة لا يفترون ولا يسأمون ولا يستكبرون، وأنهم يحبون المؤمنين وينصرونهم ويدعون لهم ويحفظونهم، وأنهم يحضرون مجالس الذكر ويتَتَبَّعُونها.
- تحبيب الطفل بالملائكة، وذلك عن طريق إدراكهم لطبيعة الملائكة الخيرية، وطبيعة الاهتمام والحرص منهم تجاه المؤمنين، حيث يبعث هذا روح الولاء والمحبة تجاه هذه المخلوقات المباركة الصالحة؛ لأنهم يقومون بالتسبيح والاستغفار والدعاء للمؤمنين، وتبشير المؤمنين الذين استقاموا على طريق الحق بالإيمان والعمل الصالح بجنات النعيم، وتصلي على المؤمنين، وتنصر المؤمنين وتثبتهم، وأنها حفيظة على أعمالهم، حيث يبعثهم الله لحفظ العباد، يقول تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) (الرعد: 11)
- أن الإيمان بهم يوجب إجلالهم وإكرامهم، فهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، ويجب تنزيههم عما لا يليق بهم من الصفات.
- الحث على النظافة الشخصية، حيث إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فعن جابر بن عبد الله عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: («من أَكلَ من هذِه البَقلةِ، الثُّومِ )وقالَ مرَّةً من أَكلَ البصلَ والثُّومَ والكرَّاثَ(؛ فا يقرَبَنَّ مسجدَنا؛ فإنَّ الملائِكةَ تتأذَّى مِمَّا يتأذَّى منهُ بنو آدَمَ » ( مسلم 465)
- أن في وجود الملائكة والإيمان بهم حِكَمًا متعددة، منها: أن یعلم الإنسان سعة علم الله تعالى وعظم قدرته وبدیع حكمته، ومنها: أن يشعر المسلم بالأمان؛ حيث علم أن هناك جندًا يحفظونه بأمر الله وينصرونه.
- أن علاقة الملائكة بنا تكوينًا وإيجادًا ومراقبةً توحي للإنسان بأهميته وقيمته، وتنفي فكرة القول بتفاهته وحقارته، وبذلك يَقْدر قدر نفسه، ويسعى جاهدًا لتحقيق الدور العظيم الذي عليه أن يقوم به.
الركن الثالث:
الإيمان بالكتب
إن الإيمان بالكتب يتضمن ما يلي:
- الإيمان بوجود كتب نزلت من عند الله، وأن هذا من عظيم رحمة الله بعباده؛ حيث أنزل لكل قوم كتابا يهتدون به، وفق ما يناسبهم من شرائع وأحكام، ويوضح للطفل أن إنزال الكتب نعمة عظيمة؛ لأنها عرفتنا على الله وعلى الآخرة وعلى الخير والشر.
- التصديق بما علمنا اسمه منها، كصحف إبراهيم، والتوراة التي نزلت على موسى -عليه السام-، والزبور على داود -عليه السام-، والإنجيل الذي نزل على عيسى – عليه السام -، والقرآن الذي نزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-.
- أن هذه الكتب يصدق بعضها بعضا ولا يكذبه، ولا تناقض بينها ولا تعارض، قال تعالى: (مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ) (المائدة: 48 )
- التصديق بما صح من أخبارها، وتعليمه أن الكتب السماوية السابقة طالها التحريف والتبديل والتغيير؛ لأنها كانت وقتية خاصة بأهل زمانها فقط، ولم يتكفل الله بحفظها مثل القرآن.
- الإيمان بأن القرآن ناسخ لكل ما سبقه من الكتب، وأن العمل بأحكام القرآن الكريم فرض لازم إلى يوم الدين، فيجب امتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتحريم حرامه، وتحليل حلاله، والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه، والوقوف عند حدوده وتعاليمه.
ومن الأمور المهمة التي تدخل في باب الإيمان بالكتب: مسألة تحفيظ الطفل القرآن الكريم منذ صغره، ويعد حفظ القرآن الكريم من أهم الأنشطة لتنمية الذكاء لدى الأطفال، إذا أُحسن توظيفه واستطاع المربي أن يحيي في نفس الطفل جو الآيات، فالقرآن الكريم يدعونا إلى التأمل والتفكير في خلق السماوات والأرض، وفي خلق الإنسان، وخلق ما حولنا من أشياء؛ ليزداد إيماننا ويمتزج العلم بالعمل، وحفظ القرآن الكريم وإدراك معانيه ومعرفتها يوصل الإنسان إلى مرحلة متقدمة من الذكاء، كما أنه يعود لسان الطفل على الفصاحة والبيان، وذلك من خال تقويم لسانه بقراءة القرآن وتجويده، وتربي العواطف الربانية – من خوف وخشوع ورغبة ورهبة وترقيق للقلوب والمشاعر-، وتعود الطفل على العمل بتعاليم القرآن الكريم وآدابه في كل مجال من مجالات حياته اليومية، وتربي الطفل على الحياة المستقيمة والأخاق الفاضلة، ومن الفوائد -أَيْضًا: ما يحصل لهم من الأجر العظيم والفضل الكبير من الله تعالى في اجتماعهم في حلق التحفيظ.
كيف نرغب الطفل في الحفظ:
- نبين له فضائل القرآن؛ فضائل حفظه وتلاوته وتعليمه والعمل به، كقوله – صلى الله عليه وسلم : «اقرءوا القرآن فإنَّه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه » (مسلم 408) وقوله – صلى الله عليه وسلم : («يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدُّنيا فإنَّ منزلتك عند آخر آية تقرأ بها » (الترمذي 4192) وقوله – صلى الله عليه وسلم : («مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مر » (البخاري 7245)، وقوله – صلى الله عليه وسلم : ( خيركم مَنْ تعلَّم القرآن وعلَّمه ) (البخاري 7205) وذكر نماذج من اهتمام السلف بالقرآن، وذلك من أعظم الوسائل المحركة للهمة.
- نقوم بتسجيله في المدارس القرآنية أو حلقات تحفيظ القرآن في المسجد، أو البحث له على معلم يعلمه القرآن، وتوفير الحوافز والجوائز وإيجاد جو من المنافسة بين الأولاد أو التلاميذ.
- لا بد من تبسيط أمر حفظ القرآن على الطفل في بدايته؛ حتى يصير هذا الأمر محببًا له، فيكون بدء الحفظ من جزء (عمّ)؛ لأنه يمتاز بأن فواصله قصيرة وتأتي على حرف واحد، مما يسهل رسوخه في ذهن الطفل، ولأنها سور تتضمن أركان الإيمان، فتصحح العقائد وتهذب السلوك، بل تحفظ الصحة وسامة الطفل -أَيْضًا- فإن القرآن العظيم ذكر ورقية، وزيادة على ذلك: فإنه يقيم اللسان ويزيد في البيان.
- الاهتمام أثناء تاوة الطفل وحفظه بشرح موجز للقرآن؛ حتى تفتح معاني الآيات قلب وعقله، ولا يظن أحد أن الطفل الصغير لا يستحق أن يشرح له، فإن للطفل طاقة عجيبة في الحفظ والفهم.
- نعلمه أن القرآن شفاء ورحمة وبركة، قال تعالى: نعلمه أن القرآن شفاء ورحمة وبركة، قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء: 82) وأن من حفظه أو حفظ جزءا منه؛ فإنه يسهل عليه أن يَرْقِيَ نفسه حين يمرض، وكذلك يرقي من حوله.
الإيمان بالرسل
إن الإيمان بالرسل يتضمن الإيمان بصدقهم وصدق ما صح من أخبارهم، وبمن علمنا اسمه منهم، وأن الله اصطفاهم من أقوامهم؛ لتميزهم خُلقًا وعقاً ليبلغوهم رسالته، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) (إبراهيم: 4)، فلو كان الرسول ملكًا لما فهموا عنه، ويجب علينا عدم التفريق بين أحد من هؤلاء الرسل، فا نؤمن ببعض ونكفر ببعض بل نؤمن بهم جميعًا، فجميع الرسل صادقون في رسالتهم، كما أنهم بارون في نصيحتهم لأمتهم، فهم معصومون فيما يبلغونه عن الله، ولا يجب علينا العمل إلا بشريعة آخرهم وخاتمهم وهو محمد – صلى الله عليه وسلم -، ومن المعاني التربوية التي ينبغي غرسها تجاه الإيمان بالرسل ما يلي:
- بيان أن الله تعالى بعث في كل أمة رسولا منهم، يدعوهم إلى عبادة الله وحده والكفر بما يعبد من دونه، وأنهم جميعا صادقون مصدَّقون بارُّون راشدون أتقياء أمناء.
- بيان أن دعوتهم اتفقت من أول الرسل إلى آخرهم على أصل العبادة وأساسها، وهو التوحيد بأن يُفرد الله تعالى بجميع أنواع العبادة، اعتقادا وقولا وعما، ويُكفر بكل ما يعبد من دونه.
- بيان الحِكَم الربانية في إرسالهم إلى خلقه، ومنها عبادة الله – عز وجل – وتوحيده، ومنها هداية الناس وإرشادهم إلى الصراط المستقيم، ومنها تعليم الناس أمور دينهم ودنياهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومنها قيادة الأمة وتطبيق شرع الله فيهم، ومنها الاقتداء بهم والسير على منهاجهم.
- العلم برحمة الله تعالى وعنايته بعباده؛ حيث أرسل الرسل ليهدوهم إلى صراط الله تعالى، والتنبيه على شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى، ومحبة الرسل والأنبياء؛ لأنهم قاموا بإباغ رسالته والنصح لعباده، فإن الناس مهما أوتوا من فهم وعقل وذكاء؛ فا يمكن أن تستقل عقولهم بالتنظيم العام المصلح للأمة بأكملها كأمة متماسكة متكافئة متساوية في إعطاء ذي الحق حقَّه، فالرسل يعلِّمون الناس ما ينفعهم وينهونهم عما يضرهم.
- غرس حب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؛ ليتمكنوا من طاعته واقتفاء أثره، وتعظيمه، وألا يقدم على حبه حُبَّ مخلوق غيرِه، وموالاة من كان يوالي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ومعاداة من كان يعاديه، ومنها إجال اسمه وتوقيره عند ذكره والصاة والسام عليه وتقدير شمائله وفضائله، حيث كان عظيم الرحمة والشفقة، ومنها احترامه – صلى الله عليه وسلم – عند قبره وفي مسجده بخفض صوته لمن أكرمه الله بزيارة مسجده وشرَّفه بالوقوف عند قبره – صلى الله عليه وسلم.
- ذكر قصص الصحابة في معاملة النبي – صلى الله عليه وسلم – وتعظيمهم له وغيرتهم عليه، وخاصة قصص صغارهم، نحو قصة أنس في شدة الاقتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم-، حيث إنَّ خيَّاطًا دعا رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – لطعامٍ صَنعهُ، قال أنسٌ: «فذهبتُ مع رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – إلى ذلكَ الطعامِ، فقَرَّبَ إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خبزًا من شعير، ومرقًا فيه دُبَّاءٌ وقَديدٌ، قال أنس: فرأيتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يَتتبَّعُ الدُّبَّاءَ من حول الصحف، فلم أزل أُحب الدُّبَّاءَ مِن يومِئذٍ، وقال ثُمامةُ، عن أنسٍ: فجعلتُ أجمعُ الدُّبَّاءَ بينَ يديهِ » (البخاري 9345) فيحرص المربي على بيان كيف كان يحبه أصحابه رضوان الله عليهم ويضحون في سبيله، وحكاية القصص في ذلك.
- تعليمه الأثر المترتب على هذه المحبة، ومن ذلك: حديث أنس – رضي الله عنه – أنَّ رجًا سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: «وماذا أعددت لها؟ » قال: لا شيء إلا أني أحب اللَّ ورسوله – صلى الله عليه وسلم – فقال: (تعليمه الأثر المترتب على هذه المحبة، ومن ذلك: حديث أنس – رضي الله عنه – أنَّ رجًا سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: «وماذا أعددت لها؟ » قال: لا شيء إلا أني أحب اللَّ ورسوله – صلى الله عليه وسلم – فقال: «أنت مع من أحببت »، قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي – صلى الله عليه وسلم – أنت مع من أحببت، قال أنس: فأنا أحب النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم (البخاري 9345)
- مساعدة الطفل في الإنتاج الإبداعي فيما يخص حب النبي – صلى الله عليه وسلم -، مثل كتابة الشعر، والقصة، والخطبة، والمقالات، وتشجيع المسابقات والمنافسات المختلفة في موضوع حب النبي – صلى الله عليه وسلم.
كيف نعلم الطفل محبة النبي – صلى الله عليه وسلم :
لا بد أن نؤكد له أن الله تعالى يحب نبيه – صلى الله عليه وسلم -، وقد اختاره وفضله على الناس أجمعين، وأنه أوجب علينا محبته، وأن نعلمه أن محبة النبي – صلى الله عليه وسلم – من علامات محبة الله تعالى، فمن أحب الرسول – صلى الله عليه وسلم – فقد أحب الله حبا صادقا.
- التذكير أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان رحمة للعالمين بالهداية وتبليغ هذا الدين، وسيكون رحمة للمؤمنين بالشفاعة لهم يوم القيامة.
- قراءة فصول من السيرة النبوية العطرة عليه، فيعلم الطفل أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – هو القدوة والمثل الأعلى لكل البشرية، ويتم ذكر معجزاته – صلى الله عليه وسلم -، وأخلاقه العظيمة ونصرته للمظلومين وعطفه على الفقراء ووصيته باليتيم، ورحمته بالضعفاء، وينبغي أن تكون لغتنا قريبة لمستوى النمو لدى الطفل، والاكتفاء بالأمور التي تتناسب مع مستواه العقلي؛ لكي يحسن استيعابها، ونحرص على تنويع وسائل العرض بحيث نلبي حاجات ومتطلبات النمو التي تناسب المرحلة العمرية التي يعيشها الطفل، وتراعى طبيعة الفروق الفردية والظروف البيئية.
- أن يرى الطفل في والديه ومحيطه تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيم سنته وأقواله، من حرصٍ على الاقتداء به واتباعه، وحفاظٍ على الصاة عليه -صلى الله عليه وسلم- كلما ذكر، فسلوك الوالدين العملي وطريقتهم من أكبر مؤثرات التربية، فعندما يأتي الوالد -مثاً- بالسنن والنوافل يقول لأولاده: هكذا كان يفعل الرسول – صلى الله عليه وسلم -، إن التربية بالقدوة لها أكبر الأثر في التنشئة الصحيحة والتربية العقدية السليمة، والرسول – صلى الله عليه وسلم – هو القدوة والمثل الأعلى الذي ينبغي على المربين الاقتداء به والسير على هداه وتطبيق سنته تطبيقا عمليا واقعيا مع أبنائهم.
- تحفيظ الطفل بعض الأحاديث الصحيحة التي تدل على كمال ومحاسن الإسام وشمائل النبي – صلى الله عليه وسلم – وفضل أصحابه، فالأحاديث ذات أثر كبير في الإيمان والسلوك، وفي بناء النفس، ويمكن عمل مسابقات بحيث تكون تلك الأحاديث قصيرة وواضحة المعاني ومتضمنة لبعض الأخاق المهمة في تلك المرحلة، ويراعى استخدام أساليب التشويق والهدايا والمكافآت.
- تحفيظ الطفل بعض الأحاديث الصحيحة التي تدل على كمال ومحاسن الإسام وشمائل النبي – صلى الله عليه وسلم – وفضل أصحابه، فالأحاديث ذات أثر كبير في الإيمان والسلوك، وفي بناء النفس، ويمكن عمل مسابقات بحيث تكون تلك الأحاديث قصيرة وواضحة المعاني ومتضمنة لبعض الأخاق المهمة في تلك المرحلة، ويراعى استخدام أساليب التشويق والهدايا والمكافآت.
الإيمان باليوم الآخر
إن الإيمان باليوم الآخر يتضمن: الإيمان بالموت والبعث والحساب والجزاء والصراط والميزان والجنة والنار، والطفل يبدأ إدراكه لبعض مسائل اليوم الآخر بعد سن التمييز بشكل واضح، أما قبل ذلك فمن الأفضل أن يكون الحديث بإيجاز وإجمال، فنبين للطفل أن ثمة حياة أخرى، وأن الله خلق الجنة دارا للمؤمنين، والنار دارا للكافرين.
ومن أهم المعاني التربوية التي ينبغي غرسها في نفس الطفل تجاه الإيمان باليوم الآخر ما يلي:
أن يعرف الطفل أن الله تعالى يبعثهم يوم القيامة من الموت ليجدوا جزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
- أن يعرف الطفل أن الله تعالى أوجد في ذلك اليوم الجنة دار الكرامة والسعادة والخلود، خلقها الله تعالى؛ ليجازي بها عباده المؤمنين، وأوجد النار التي أعدها الله للكافرين، ويتم ذلك عن طريق الترغيب في نعيم الجنة، وما أعده الله فيها للمؤمنين.
- محادثة الطفل عن الموت والآخرة بطريقة لطيفة تدل على رحمة الله ومغفرته ولطفه بالعباد؛ حتى لا تسيطر على الأطفال الأفكار المزعجة، ويمكن ربط ذلك بكل الكائنات الحية التي تمر بالأطوار ذاتها، ولكن الإنسان يمتاز بأن الله ميزه بالتكليف وسخر الكائنات له ووعده بالجزاء.
- بيان أن الله لا يقر الظلم، ولا يدع الظالم بغير عقاب، ولا المظلوم بغير إنصاف، ولا يترك المحسن بغير ثواب وجزاء، ونحن نرى في الحياة الدنيا من يعيش ظالمًا ويموت ظالمًا، وعليه فا بد من حياة أخرى غير هذه الحياة التي نعيشها، يكافَأُ فيها المحسن ويعاقب فيها المسيء ويأخذ كل ذي حق حقه.
الإيمان بالقدر
إن الإيمان بالقدر يتضمن: الإيمان بكمال علم الله وكتابته وقدرته وخلقه ومشيئته، والطفل لا يستطيع فهم القضاء والقدر في مرحلة مبكرة من سن الطفولة، والبعض يرى أنه لا يمكن أن يدرك معانيهما إلا بعد التاسعة من عمره تقريبا، ولكن ثمة معان تربوية ينبغي غرسها في باب القضاء والقدر، منها:
- أن الأصل في هذا الباب هو الحديث الوارد عن أبي العباس عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما -قال: كنت خلف النبي – صلى الله عليه وسلم – يوما، فقال: «يا غام، إني أُعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقام وجفت الصحف » (الترمذي 6152)، وفي رواية: «احفظ الله تجده أَمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك، وما أَصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أَن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسرِ يسرا » (أحمد 3082) وهذا الحديث النبوي يعتبر ينبوعا تربويا اشتمل على توجيهات طيبة من النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – إلى أمته بالاهتمام بتنشئة الأبناء على العقيدة السليمة.
- أن الأصل هو تجنب الخوض في مسألة القضاء والقدر مع الطفل في تلك المرحلة، والذي يمكن توصيله للطفل في هذا الباب هو: توضيح سعة علم الله السابق وقدرته وإحاطته وخلقه ومشيئته مع إثبات حرية الإنسان، ومسؤوليته التامة عن أفعاله الاختيارية، واستحقاقه للثواب أو العقاب عليها بشكل مجمل، ولكن إذا شغلت هذه المسألة عقل الطفل وسيطرت عليه؛ فيجب على المربي أن يوضحها قدر المستطاع بصورة مبسطة يدركها عقله.
- تربية الطفل على طلب السؤال من الله تعالى وألا يسأل غيره، وأن يستعين بالله وحده، فالدعاء يتوجه به إلى الله تعالى، ويعلم أن التوكل على الله والاعتماد عليه، ويعلم الصبر على قضاء الله وقدره.
- أن يعلم الطفل أن الله لا يريد به إلا خيرًا فهو على موعد في هذه الحياة مع أقدار الله، لذلك؛ فإنَّ نفسه لا تضيق ولا تجزع، ويواجه الشدائد بنفس راضيه بقضاء الله وقدره، فهو يوقن أنه: ( لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) (التوبة: 51 )
- أن يعلم أن مجريات الأمور بيد الله سبحانه، وبأنه سبحانه يفعل ما يشاء ويختار؛ لأن له مطلق التصرف في ملكه، وذلك يؤدي إلى زيادة ارتباطه بخالقه وتوجهه إليه، ومن ثمَّ تعلق آماله ودعائه ورجائه به.
- أن الإيمان بهذا الركن يحقق التوازن والاطمئنان القلبي داخل نفس الطفل، فعندما يشعر المؤمن أن كل ما يحصل له من خير أو شر هو خير له، وأنه لا وجود لشر مطلق؛ فهذا يشعره بالاطمئنان والاستقرار النفسي الداخلي، وهذا يجعله يواجه مشاكله وأتعابه وهمومه بصدر رحب بقضاء الله وقدره، ومن ثم يسلم أمره إلى الله ويعيش مطمئن القلب هادئ البال، فمن آمن بقدر الله سبحانه لا يجزع ولا يفرغ ولا يسخط عند المصائب ونزول النوائب، بل يستسلم لقدر الله ويحتسب عند الله الثواب ويذكر عند الصدمة الأولى قول الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٥﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿١٥٦﴾) (البقرة: 156 ).
- يمكن الاستفادة من إيراد بعض الحكايات والقصص التي بدا على أصحابها التضايق مما حدث لهم من أقدار الله، ثم تبين لهم بعد ذلك الخير الذي قدره الله لهم بسبب ذلك؛ حيث تغيرت أحوالهم وأمورهم للأفضل.
- يتلخص الإيمان بالقدر في الإيمان بأن الله تعالى عالم بكل شيء جملة وتفصياً، وأنه كتب ما سبق علمه من مقادير الخلائق إلى يوم القيامة في اللوح المحفوظ، وأن جميع الكائنات والأشياء لا تكون إلا بمشيئة الله وخلقه.