الأسئلة المتعلقة بالإيمان بالله

الأسئلة المتعلقة بالإيمان بالله

إن أكثر الأسئلة دورانا في ذهن الطفل في سن مبكرة هي الأسئلة التي تتمحور حول الله، وهنا عرض لأكثر الأسئلة التي يطرحها الأطفال على والديهم.

من هو الله؟

ابتداء ينبغي ألا ننتظر الطفل حتى يسألنا عن الله، بل نبادر بالحديث عن الله دائمًا وفي كل مناسبة، إن الجواب الصحيح عن سؤال الطفل عن الله وصفاته سيُؤَسِّس عقيدة التوحيد والإيمان بالله – عز وجل – في عقل الطفل وقلبه؛ لذلك فإن الطريقة المثلى هي أن يتمَّ صرف ذهن الطفل من التفكير في ذات الله إلى التفكر في آلائه وعجائب خلقه الدالَّة عليه، كالسماء والسحُب والنجوم والشمس والقمر والبحر والشجر، وغيرها، وتنبيهه إلى فضل الله عليه بخلقه وخلق أعضائه، عينيه وأذنيه وفمه ولسانه ويديه وقدميه وجميع جسده، فنخبره أن هذه السماء خلقها الله، وهذه الأرض خلقها الله، وهذه الأشجار كلها خلقها الله، وهكذا حتى يعتاد ويأنس بهذه الكلمات، وعندما يسألنا من هو الله؟! نجيب ببساطة أنه هو الذي خلق كل ما حولنا وكل من حولنا، ونعطيه الأمثلة الكثيرة على ذلك.

عن هذا النظام العجيب والترتيب المحكم؛ نقول له: أرأيت هذا النظام؟ إن واضع هذه القوانين والمنظم لها هو الله – عز وجل -، فإنه إذ ذاك يصبح شاعرا بربه عن علم وبينة، ونخبره أن الله هو الذي خلق كل شيء، وليس كمثله شيء، وهو الرحيم الرزاق الكريم، وله أسماء وصفات كلها حسنة وجميلة؛ لذلك فهو يستحق العبادة وحده لا شريك له، وأنه سبحانه يحب الأطفال ويأمر الكبار برعايتهم ونفعهم وبذل الخير لهم وللناس أجمعين، وهو يحاسبنا على أعمالنا الجيدة والسيئة ثوابا أو عقابا، وهو الذي يجازي المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته، ومن المفيد: تعليم الأطفال قصار المفصَّل؛ حيث تضم أحسن الأجوبة عن ذات الله وصفاته، فهو الله الذي: لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكن له كُفُوا أحدٌ.

ويمكن أن نطرح عليه سؤالا فنقول: من الذي اشترى لك هذه الثياب الجميلة؟ سيقول: أبي، ومن الذي يذهب بك إلى المدرسة؟ سيقول: أبي، وعندما تمرض من الذي يذهب بك إلى الطبيب؟ سيقول: أبي، ومن الذي يأخذكم للنزهة في العطات؟ سيقول: أبي، إذن أبوك هو الذي يتولى أمورك كلها؟ نعم، وكذلك الله، هو الذي يتولانا جميعا، الله خالق كل شيء، كل ما تراه حولك هو من صنع الله، الشمس والقمر، والسحاب والبحار والجبال، خلق الإنسان والحيوانات والطيور، خلق الملائكة والشياطين، الله هو خالق الكون كله، والله كريم ورحيم يتولانا ويرعانا، ويحبنا ويجلب لنا الخير دائما.

هل شَكْلُ الله مثل الإنسان؟

ونقول له: إن سمعنا محدود، فنحن لا نسمع إلا من مسافة معينة، ولو سمعنا كل شيء لتعبنا، وبصرنا محدود فنحن لا نرى إلا من مسافة محدودة، فنحن لا نستطيع أن نرى ما وراء الحائط -مثاً-، وكما أن سمعنا محدود وبصرنا محدود فكذلك عقلنا محدود، فهو لا يدرك كل شيء، إن عقل الإنسان محدود لا يستطيع إدراك كل شيء، فمنذ أن خلق الله تعالى البشرية وإلى يومنا هذا لا تزال مساحة المجهول أكبر بكثير من مساحة المعلوم، فالروح التي توجد في جسم الإنسان -مثاً- مع أنها قريبة منا إلا أننا لا نستطيع تخيلها ومعرفة حقيقتها، فإذا كان هذا في أمر منا وبنا، فكيف بما هو خارج عنا؟!

وعليه فإن عقل الإنسان ما دام محدودا، فهو لا يستطيع أن يدرك ذات الله؛ وبالتالي فإن الحديث عن شكل الله لا يكون بالتصور ولا العقل ولا الوهم، بل يكون بالشرع وحده، وقد حسم القرآن هذه المسألة بقوله: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى 11)، وبناء عليه؛ فإن الله ليس مثلنا ولا مثل أي شيء، وهذا يدل على عظمة الله الذي يجب علينا أن نحبه ونرجوه ونخشاه، وهذه العظمة تتجلى بأن رؤيته في الجنة هي أعظم نعيم الجنة على الإطاق.

من خلق الله؟

لو كان هناك من خلق الله، لسألت -أَيْضًا- من خلق الخالق أليس كذلك؟ إذن لا بد أن نعرف أن من صفات الخالق أنه غير مخلوق، وأنه هو الذي خلق كل المخلوقات، ولو كان مخلوقا لما عبدناه، واتبعنا تعليماته وأوامره، فالسؤال عمن خلق الله غير صحيح، والأسئلة غير الصحيحة لا معنى لها، فمثاً: لو سألك أحدهم عن طول الضلع الرابع للمثلث؟ فا مجال لتقديم الجواب؛ لأن المثلث ليس له إلا ثلاثة أضاع، ووجه الخطأ في السؤال عمن خلق الله؛ أن كلمة خلق وكلمة الله لا تجتمعان؛ لأن الإله لا يُخلق، وعملية الخلق إنما تقع على المخلوق، ولا يمكن لأحد أن يُوجد الله وإلا لكان مخلوقا هو -أَيْضًا-، فالله موجود ليس له بداية وليس له نهاية.

ولو أننا فرضنا – جدلا – أن هناك خالقًا لله تعالى! فسيبقى السؤال نفسه مطروحًا: من خلق خالق الخالق؟! ثم من خلق خالق خالق الخالق؟؟! وهكذا يتسلسل إلى ما لا نهاية، وهذا مستحيل، وللتقريب نأخذ مثال الجندي والرصاصة، الجندي يريد أن يطلق النار، ولكن حتى يطلق النار، يجب على الجندي أن يستأذن من الجندي الذي خلفه، وهذا الجندي حتى يعطي الإذن يجب أن يستأذن من الجندي الذي خلفه، وهكذا إلى ما لا نهاية، السؤال: هل سيطلق الجندي النار؟ الجواب: لا؛ لأنه لن يصل إلى الجندي الذي سيعطيه الإذن بإطاق النار، أما إذا انتهت السلسلة إلى شخص لا يوجد فوقه أحد ليعطيه الإذن بإطاق النار، فستنطلق الرصاصة، وبدون هذا الشخص، ومهما كثُر عدد الأشخاص، لن تنطلق الرصاصة؛ فهم كالأصفار إذا وضعتها بجانب بعضها البعض، فمهما كثرت وبلغت حدًّا لا نهاية له، فستظل لا تساوي شيئًا، إلا أن يوضع قبلها رقم: 1 فأكثر.

من أين أتى الله؟ وكم عمره؟

ما دام أنك تعرف -يا عزيزي – أن الله لم يُخلق؛ فإنه كذلك لم يلد ولم يولد، وليس له بداية ولا نهاية، وعليه فليس له عمر كما هو الحال بالنسبة لنا نحن البشر، لأن الله هو الخالق العظيم الغني الكبير ذو القوة المتين، العزيز الرحيم الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى، له صفات الكمال وليس له صفات نقص، فالله سبحانه هو الذي أوجد العالم كما أوجد جميع الأشياء وجميع المخلوقات.

من كان قبل الله؟

وهذا نفس السؤال عمن خلق الله، فهو سؤال مغلوط، فالله تعالى هو الأول فليس قبله شيء وهو الآخر فليس بعده شيء، قال تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد: 3)، إن الزمان مثل المكان لا يحد الله تعالى، فالزمان لا يعدو أن يكون مخلوقًا من مخلوقات الله الأخرى، فا يمكن للمخلوقات أن تحد ولا تحيط بخالقها سبحانه، فالله له كل صفات الكمال والجمال، وينبغي أن ينبه هنا إلى النصيحة النبوية، فقد روى أبو هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول: مَن خلَق كذا، مَن خلَق كذا، حتى يقول: مَن خلَق ربَّك؟ فإذا بلَغه؛ فلْيَستَعِذْ باللهِ ولْيَنتَهِ » (البخاري 6723)، فالاستعاذة بالله وتوجيه تفكير الطفل لقضية أخرى بشكل غير مباشر؛ لئا يسترسل مع هذه التساؤلات.. هو -أَيْضًا- من الإجابات المهمة هنا، وصرف التفكير عن ذلك ليس لعدم وجود إجابة وإنما هو إغاق لنوافذ الوسوسة.

هل الله ذكر أم أنثى؟

ينبغي أن نجتهد في إبعاد ذهن الطفل عن التفكير كثيرًا في ذات الله، وتوجيه ذهنه للتفكير في الأمور التي تعود عليه بالنفع والفائدة، وهنا يحسن بنا أن نوضح للطفل أن مسألة التذكير والتأنيث هي من لوازم التفريق بين فئات وأجناس المخلوقات الحية، وهي مما امتن الله به على مخلوقاته قال تعالى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى) (النجم: 45)، والله سبحانه فوق ذلك التصنيف، بل هناك مخلوقات أخرى كذلك لا يطولها هذا التصنيف كالملائكة -مثاً-، بل حتى السماء والسحاب والهواء والماء لا توصف بأنها ذكر أو أنثى، فإذ صح أن هناك مخلوقات وهي ناقصة لا ينطبق عليها هذا التصنيف؛ فالله من باب أولى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: 11 )

لماذا نؤمن بوجود الله؟ ما إثبات وجود الله؟

الإيمان بالله تعالى فطرة إنسانية لا يستطيع إنكارها أحد، وأدلة وجود الله كثيرة، ولا يزال الناس يكتشفون الأدلة تلو الأدلة كل حسب تخصصه ومجاله، فالأدلة الفطرية في النفس البشرية تثبت وجود الله، قال تعالى: ( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) (الروم: 30 )، فكل واحد منا يجد قوة داخلية في نفسه تحدثه عن عظمة الله وقوته ورعايته، والأدلة العلمية الحسية تؤكد وجود نظام دقيق في هذا الكون، وهذا النظام الدقيق لا بد له من صانع؛ لأن هذه المخلوقات من الذي أوجدها وقام عليها؟ إما أن تكون وجدت هكذا صدفة من غير سبب يدعو لذلك فيكون حينها لا أحد يعلم كيف وجدت هذه الأشياء، هذا احتمال، وهناك احتمال آخر وهو: أن تكون هذه الأشياء أوجدت نفسها وقامت بشؤونها، وهناك احتمال ثالث وهو: أن لها موجدًا أوجدها وخالقًا خلقها، وعند النظر في هذه الاحتمالات الثلاثة؛ نجد أنه يستحيل الأول والثاني، فإذا تعذر الأول والثاني؛ لزم أن يكون الثالث هو الصحيح الواضح، وهو أن لها خالقًا خلقها -وهو الله-، وهذا ما جاء ذكره في القرآن الكريم، قال الله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴿٣٥﴾ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَلْ لَا يُوقِنُونَ ﴿٣٦﴾ ) (الطور: 36).

ومن الأدلة الحسية على وجود الله -أَيْضًا: استجابة الله للدعوات، وكذلك: هذا الإتقان في خلق السماوات والأرض قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ) (آل عمران: 190 ) والإتقان في خلق الإنسان قال تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) (الذاريات: 21) وكذلك في خلق النجوم والجبال والحيوانات وغيرها، كلها تدل على إبداع في الصانع -سبحانه وتعالى-، إن آيات الله مبثوثة في الآفاق والأنفس والثمرات، وكلها تدل على وجود الإله الخالق الواحد الأحد، ووجود كل هذه المخلوقات لا بد له من هدف وغاية من تكوينها وهي كلها تعبد الله وحده لا شريك له، ويمكن أن نحكي لها حكاية أبي حنيفة – رحمه الله – حين طلب منه قوم أن يثبت لهم توحيد الربوبية؛ فقال لهم: أخبروني -قبل أن نتكلم في هذه المسألة- عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها وتعود بنفسها فترسو بنفسها وتتفرغ وترجع، كل ذلك من غير أن يدبرها أحد، فقالوا: هذا محال، لا يمكن أبدًا، فقال لهم: إذا كان هذا محالً في سفينة؛ فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟!، فيستحيل أن يكون هذا الخلق المتقن بدون خالق قدير عليم.

ويمكن أن يقال له -أَيْضًا: عندما تشعر بالألم في بطنك، ألا تنتبه أنك جوعان، وتبحث عن الطعام تلقائيا لتشبع جوعك؟ وعندما تشعر بالعطش، ألا تبحث عمّا يروي عطشك؟ وعندما تشم رائحة جميلة، ألا تشعر بالسعادة؟ والعكس عندما تشم رائحة كريهة؟ وعندما تنظر إلى الورود والزهور والسماء والطبيعة من حولنا، ألا تشعر بالسعادة والسرور؟ كذلك -يا عزيزي- نحن نشعر تلقائيا بأننا في حاجة إلى إله عظيم نلجأ إليه دائما عندما نحتاج إليه؛ لنشعر بالهدوء والأمان، فعندما نشعر بالضيق والحزن؛ فإننا نلجأ تلقائيا إلى الله وندعوه، ولو شعرنا بالسعادة نحمده عليها.

هل الله يسمع ويرى ويتكلم مثلنا؟

إن الله يتكلم ويسمع ويرى، قال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) ( المجادلة: 1) وقال: (قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ) (طه: 46) وقال: (إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (هود: 112) يسمع الأصوات مهما خفيت، ويرى الأشياء مهما بعدت، إن الله يسمع كل شيء ويرى كل شيء، لكن سمع وبصره لا يشبه سمع وبصر المخلوقين الذي يعتريه النقص والضعف، فالله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: 11)، ومن الجيد: أن يربط هذا بسلوك مباشر، بحيث يقال إذا كان الله سميعا بصيرا؛ فهل يليق بنا أن نتحدث بما لا يرضيه وأن يرانا على حال لا يقبلها؟!.

ألا يجوع الله ويعطش؟

الله – عز وجل – له صفات الكمال ولا تلحق به صفات النقص، إن الجوع والعطش مظهران من مظاهر الضعف، ولا يجوز أن تنسب الضعف إلى الله؛ وبالتالي فإن الله ليس بحاجة إلى الطعام والشراب؛ لأن الله الخالق لكل شيء لا يحتاج إلى أي شيء، ولو احتاج لشيء؛ لما صح أن يكون إلها، فالله هو الصمد الذي لا يأكل ولا يحتاج إلى طعام أو شراب، فهو غني عن ذلك كله، كما أنه هو الذي ترجوه الخلائق؛ ليرزقها ويطعمها ويلبي حاجاتها.

ويمكن أن يقال له -أَيْضًا- أنه لا مجال للمقارنة بين المخلوق والخالق، ليس بالضرورة أن كل ما نصنعه ونبتكره تكون له نفس صفاتنا وهيئتنا، أليس كذلك؟ الله لا يجوع ولا يعطش، دعني أسألك سؤالا: من صنع الدراجة؟ سيجيب بأنه صانع الدراجات، ممتاز، تعال -يا بني – لنتخيل مَعًا، أن الدراجة تتكلم وتسأل مخترعها: ماذا تأكل؟ ماذا تشرب؟ فماذا تقول لها؟ أقول لها: هذا ليس من شأنك، وماذا ستستفيدين إذا عرفت، وما الذي سيضيفه الرد على مهمتك الأساسية وهي أن تسيري بسرعة وبدون أي أعطال، ممتاز، وهكذا نحن -يا بني: الله خلقنا لمهمة محددة: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، وهذه الأسئلة لن تفيدنا ولن تساعدنا في أداء مهمتنا التي خلقنا لها، بل بالعكس ستصرف أذهاننا لأشياء تعطلنا عن مهامنا، ولكن متى تَتَّجِهُ الدراجة لنا وتسألنا؟ عندما يصيبها عطل ما، فإنها تتجه لصانعها لإصاح العطب، أليس كذلك؟ ولذلك نحن نلجأ إلى الله بالدعاء عندما نجد أنفسنا نفتر عن العبادة، أو عندما يصيبنا ضرر ما.

كم هي قوة الله؟

إننا إذا كنَّا نتحدث عن قوة أو قدرة محدودة؛ فمعنى هذا أننا نتحدث عن صفة نقص، لأن نهاية القوة تعني بداية الضعف، والضعف لا يكون لله، بالتالي؛ فإن قدرة الله مطلقة غير محدودة لا يعجزه سبحانه شيء، قال تعالى: (أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 106 )، وإذا أراد شيئا يقول له: كن؛ فيكون، فالله قادر على كل شيء؛ لأنه خالق كل شيء، فا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فالقدرة المحدودة هي قدرة المخلوق؛ لأنها قدرة مخلوقة، أما قدرة الخالق؛ فا حد لها ولا نقص فيها، لذلك؛ كان الله هو وحده المستحق للعبادة والسؤال والدعاء؛ لأنه هو وحده القادر على تلبية حوائج الخلق ورزقهم وتحقيق رغباتهم وتدبير شؤونهم.

أين الله؟ وما حجمه؟

بعد أن يفهم الطفل مبكرًا أن الله هو من خلقه وأن الله يحب الأطفال كثيرا، وأنه أعطاه الكثير من النعم، يمكن حينها أن نشرح له أن الله موجود في السماء، قال تعالى: (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ) (الملك: 16) فهو تعالى في السماء، أما علمه ففي كل مكان، قال تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ۚ) (الحديد: 4) ولا ينبغي لنا أن نقول: إن الله في كل مكان؛ لأن ذلك يعني أنه موجود داخل كل شيء، وهذا ليس بصحيح؛ إننا ملتزمون بما ورد في السنة، فقد سأل – عليه السام – جارية: «أين الله؟ » قالتْ: في السماءِ، قال: «مَن أنا؟ »، قالتْ: أنت رسولُ اللهِ، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة » (مسلم 735) ومع أنه في السماء؛ إلا أنه يستطيع أن يرانا ويسمعنا في كل مكان، والتأكيد المستمر للطفل على أن الله مطلع عليه دائما؛ ينمي في نفس الطفل الوازع الداخلي ويجعل الرقابة ذاتية المصدر، وأما حجمه: فا يقارن الله تعالى بأي شيء من خلقه، فالله أكبر من كل شيء، أكبر من كل المخلوقات، فإذا كانت عظيمة فإن خالقها أعظم؛ فهو الذي ينسف الجبال، ويحرك البحار، ويأمر الماء أن يغور في الأرض، وما يحدث في الكون من شيء إلا بأمره عز وجل – وإرادته، إن الخالق ليس بحاجة إلى المخلوق، فالسماء مخلوقة من مخلوقات الله، ووجوده ليس متوقفا عليها، وهو ليس بحاجة لها؛ لأن الله هو الغني عن كل شيء.

كيف يرانا الله ونحن لا نراه؟ كيف يرى الله جميع الناس وهم كثير؟

كيف يرى الله جميع الناس وهم كثير؟ حتى نجيب عن هذا السؤال عمليا، نأخذ الطفل ونقف معه في الشارع، ونقول له: هيا انظر إلى الناس، وأخبرنا بعدد من تراه، وسنعد معك الناس الذين ستراهم، بعد ذلك نصعد مع الطفل إلى الدور الثاني، ونجعله يشاهد الناس ويعد من يراهم، ثم نصعد معه أعلى المبنى، ونجعله يعد من يراه، ثم نحضر له منظارا لنجعله يرى الناس بصورة أفضل ويعدهم بصورة أدق، ومن خال هذا المثال؛ نوضح له أننا لا نستطيع قياس الأمور بمقياسنا البشري المحدود، ونبين له أن قدرة الله أكبر وأعظم من قدرة كل المخلوقات، ونرسخ في عقله دائمًا: (أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 106)
ويمكن أن نسأله سؤالا محسوسًا فنقول: هل تعتقد أن النملة ترانا بكامل تفاصيلنا، أم أنها ترى مجرد خيال أو ظل؟ سيجيب بأن النملة لا تستطيع إلا رؤية جزء صغير جدا من أصبع القدم، وقد يُعتبر الأصبع جبا كبيرا بالنسبة لها، حسنًا؛ هل ترى أن النملة يمكن أن تسألك وتقول: كيف ترانا كلنا في وقت واحد؟ سيكون ردك أن هذا طبيعي؛ فهو يتناسب مع قدراتك التي خلقك الله بها، فالنملة قدراتها محدودة، وقد يكون هناك بيوت للنمل في أكثر من مكان بالحجرة، وسهل عليك جدا أن ترى هذه الأماكن في نفس الوقت، ولكن النملة بقدراتها المحدودة قد لا تستطيع أن ترى مثلما ترى أنت، وبما أننا اتفقنا أن الله – سبحانه وتعالى – ليس كمثله شيء، وأنه قادر على كل شيء، فليس من المناسب أن نسأل الله بقدراتنا المحدودة على شيء هو بالنسبة له شيء طبيعي، فقدرة الله أكبر وأعظم من قدرة كل المخلوقات؛ لأن (اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 106)

إن حاسة البصر التي منحنا الله إياها في الدنيا ضعيفة لا يمكن لها رؤية أكثر الأشياء، ولهذا؛ ترى الإنسان يستخدم المجاهر وآلات التكبير، فإذا عجز الإنسان عن رؤية أشياء مخلوقة؛ فإنه من باب أولى عاجز عن رؤية الله تعالى، إن قدرة الإنسان في الدنيا لا تسعفه لرؤية الله، فنحن لا يمكننا أن نرى الله ولكننا نؤمن به، ونؤمن بأنه رحيم ويحبنا، وهو قوي وقادر على كل شيء ويعلم كل شيء، فهو يعلم أننا نتحدث عنه الآن، إن الله أعلى منا بكثير، لذلك؛ فهو يرانا كلنا في وقت واحد، مثل الذي يصعد إلى سطح العمارة فهو يرى كل الناس في الشارع وهم لا يرونه، فالله سبحانه يرانا ونحن لا نراه، إن هناك الكثير من الأشياء التي لا نستطيع أن نراها ولكنها موجودة، ونقول للطفل: إن أعيننا لا يمكنها رؤية كل شيء، فنحن لا نرى الصوت مع أننا نسمعه، ونحن لا نرى الهواء مع أننا نحس به، وأعيننا لا يمكنها رؤية الله تعالى في الدنيا، ولكن في الجنة -إن شاء الله- سيكون لنا عيون أحسن يمكنها أن ترى الله – سبحانه وتعالى، لذلك؛ فالله (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام: 103)

هل يرى الله تعالى الناس في الظلمة؟ كيف يرانا الله تعالى ونحن في بيتنا والأبواب والنوافذ مغلقة؟

كيف يرانا الله تعالى ونحن في بيتنا والأبواب والنوافذ مغلقة؟

نعرض على الطفل صورة من الأشعة الطبية، ونقول له إن الإنسان الذي خلقه الله تعالى استطاع أن يرى العظم وهو مغلق عليه جيدا من خال التصوير بالأشعة السينية، فما بالك بربنا الذي خلق الإنسان؟ فهو سبحانه بالتأكيد يرانا ونحن في بيوتنا وكل الأبواب مغلقة علينا، إن الله ليس كمثله شيء؛ فهو ليس كالبشر يحجبه البنيان عن الرؤية، فا يُمكن أنْ يكونَ الخالق كالمخلوق؛ لأن الله على كل شيء قدير سبحانه، ومن المناسب: أن يربط هذا الجواب بسلوك الطفل، فنعزز جانب المراقبة والذوق الديني الداخلي عند الأطفال.

يمكن أن نجعل الطفل يشاهد مشهدًا من أحد الأفلام التي تعرض جنود الجيوش البرية الذين يرون بمنظار الرؤية الليلة، ونعرض على الطفل مشاهد مصورة لبعض الحيوانات والطيور التي ترى في الظام، وأيضا في بعض الأفام التي يشاهدها والألعاب التي يلعب بها، هناك بعض الأشعة -كالليزر مثاً- توضح ما وراء الأشياء، وتمكننا من رؤية الأشياء في الظام، ونقول له بعدها: أرأيت كيف أن الإنسان الضعيف والمخلوق البسيط يمكنه أن يرى في الظام أحيانا؟ فما بالك بربنا الذي خلق الإنسان وكل هذه المخلوقات، فإذا كان الله قد أعطانا المقدرة لاختراع هذه الأشياء؛ ألا يستطيع -وهو القادر المهيمن- أن يفعل ذلك؟ فهو أعظم وأقدر، وقدرة الله لا يحجبها مانع ولا يحدها حد.

كيف يعرف كل أعمالنا؟ كيف يستطيع أن يراقب الناس جميعا؟

ينبغي أن يتعلم الطفل دائما على أن الله له كل صفات الجمال والكمال، وينبغي أن يعلم أن قدرة الله تعالى لا حدود لها، فهو القدير والقادر، قال تعالى: (اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 106) ، وما دامت قدرته عظيمة؛ فا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يمكن لنا أن نقيس قدرته بقدرة المخلوقات، فمهما عظمت قدرة المخلوقات؛ فالله أعظم منها وأكبر، وللتقريب: يمكن أن نضرب له مثالا بتسجيلات الكاميرا، حيث إنها تستطيع أن تسجل وترصد كل صغيرة وكبيرة تقع في مجال عدستها، فالله أعظم قدرة وله المثل الأعلى، فهو يستطيع أن يراقب جميع الناس في نفس الوقت؛ لأن قدرته غير محدودة، والله تعالى يعلم وعلمه شامل كامل محيط بكل شيء. ويمكن أن نضرب له مثا، فنقول: لنفترض أن هناك شركة كبيرة تريد أن تراقب موظفيها، فوضعت لهم بدون أن يعرفوا كاميرات مراقبة، وأخذت تراقبهم وهم لا يعلمون من خال شاشات توضح كل ما يحدث في كل أقسام الشركة في وقت واحد، فإذا كان العبد الضعيف الذي خلقه الله استطاع أن يفعل ذلك؛ ألا يستطيع خالق العبد أن يرى عباده جميعا في نفس الوقت؟

لماذا يموت الإنسان ولا يموت الله؟ هل يحبني الله كما أحبه؟

الله تعالى غفور رحيم يحب الطيبين المستقيمين الصادقين، قال تعالى: (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (المائدة: 54) ومظاهر حب الله لعباده: أنه يكرمهم ويرعاهم ويدبر شؤونهم ويرزقهم ويغفر لهم، وكل واحد منا يحس لطف الله به وكرمه عليه، والله يحب عبده الذي يطيعه ويتقرب إليه ويبذل الأسباب الموجبة لمحبته، من المحافظة على الصلوات وبر الوالدين، والصدقة والإحسان إلى الناس، والصدق وقراءة القرآن، والمحافظة على الأذكار، وغيرها من الأعمال الصالحة، فمن يفعل هذه الأشياء؛ فسوف يحبه الله تعالى.

إن الموت من مقادير الله التي قدرها على مخلوقاته، قال تعالى: (لُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (العنكبوت: 57) فموت الإنسان هو بداية للحياة الآخرة وهي الحياة الأهم.

إن الموت مظهر ضعف لازم من لوازم الحياة المخلوقة، والضعف لا يكون لله، فالله لم يُخلق ولن يموت، والإنسان مخلوق ويموت، إن حياة الله تعالى ليست كحياتنا، فحياتنا تنتهي بالموت، وكل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا الله – عز وجل -، إن حياة الله الكاملة مستلزمة لجميع صفات الكمال ومن أهمها صفة الحي الذي لا يموت.

زر الذهاب إلى الأعلى